Thursday, October 8, 2009

مشاركة المرأة في الحياة السياسية في العهد النبوي

كتبت: شيماء زاهر
كان مجيء الإسلام في القرن السادس الميلادي ثورة إنسانية عظيمة قامت بتغيير مفاهيم راسخة في الحياة من ضمنها وضع المرأة في المجتمع ، فإذا ما نظرنا إلى الجزيرة العربية قبل الإسلام، سنجد أن وضع المرأة كان متدنيا باستثاء تلك القبائل ذات الجاه والنسب الرفيع التي كانت المرأة تحتل بها مكانا أفضل من العوام من النساء. ومع مجيء الإسلام أصبح للمرأة أهلية مستقلة تمكنها من مباشرة جميع حقوقها أسوة بالرجل كالحق في التعليم، واختيار الزوج و الحفاظ على كيان مالي مستقل، ولم تقتصر المرأة على تلك الحقوق بل شاركت أيضا في الحياة السياسية، وهو ما يتضح بشكل ملموس في بيعات النساء للرسول صلى الله عليه وسلم عبر تاريخ الدعوة .بداية، كلمة "بيعة" تشتق من باع- يبيع - بيع ومبايعة ، وهي العهد على السمع والطاعة، وقد تعددت بيعات المسلمين للرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا ما بدأنا بالحديث عن بيعة "العقبة الأولى" سنجد إنها جاءت تتويجا لدعوة الرسول قبل الهجرة، فقد مكث الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة طوال اثني عشرعاما يدعو القبائل إلى الإيمان، متعرضا في ذلك لأشد أنواع الأذي مع من آمن معه، إلا إنه في موسم الحج أتي للرسول صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلاً من يثرب: تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس، وعاهدوه على الإيمان. و أرسل الرسول معهم مصعب بن عمير، كي يدعو أهل يثرب إلى الإسلام. وبعد عام عاد مصعب في موسم الحج، ومعه ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان، التقوا بالرسول صلى الله عليه وسلم وبايعوه بيعة أخرى عرفت ببيعة "العقبة الثانية"، و تضمنت هذه البيعة التزام أهل يثرب بحماية الرسول عندما يهاجر إليهم والمحافظة على حياته. وكما يتضح فقد مهدت هذه البيعة لهجرة رسول الله إلى المدينة ؛ فبمقتضى هذه البيعة اعتبر أهل يثرب الرسول واحدًا منهم، وقضت بخروجه ضمنًيا من عداد أهل مكة، وانتقال تبعيته إلى أهل يثرب، ولهذا أخفى المتبايعون أمر هذه البيعة عن قريش؛ لأن الفترة بين إتمام هذه البيعة، ووصوله صلى الله عليه وسلم لا يلتزم أهل يثرب خلالها بحماية رسول الله إذا وقع له مكروه أو أذى من قريش.وبعد بيعة العقبة الثانية وهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة ، بدأت مرحلة جديدة من الدعوة وأقبل الأنصار رجالا ونساء يبايعون رسول الله على الإيمان؛ وقد مكث المسلمون في المدينة لا يقدرون زيارة مكة حتى في الأشهر الحرم، إلا إن العام السادس للهجرة شهد حدثا سياسيا بارزا؛ فقد توجه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأداء العمرة ، فتصدت لهم قريش ومنعتهم من دخول مكة عند "الحديبية" فأرسل رسول الله عثمان بن عفان (رضي الله عنه) إلى أهل مكة ليتفاوض معهم ، لكن الأنباء ترددت عن مقتل عثمان على يد قريش، فدعا الرسول إلى البيعة على مواجهة قريش، و سميت هذه البيعة بأسم "الرضوان"، لأن الله رضي عنهم كما ورد في سورة الفتح. وكان من نتائج هذه البيعة عقد "صلح حديبية" بين المسلمين وقريش: فكان الصلح على أساس أن يرجع المسلمون في عامهم هذا من حيث أتوا، ويأتون إلى مكة في العام القادم، ليطوفوا بالبيت ثلاثة أيام، على أن تخرج منها قريش في تلك الفترة، مع بنودٍ أخرى، تتجمّد فيها الحرب عشر سنين، الأمر الذي يوحي بأن ميزان القوّة بدأ يميل لصالح المسلمين. ومن المهم أن نذكرهنا إن عقد صلح حديبية أتاح لمزيد من النساء الدخول في الإسلام ومبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كن النساء يهاجرن سرا من مكة إلى المدينة يبايعن الرسول، وكان صلى الله عليه وسلم لا يردهن إلى قريش، كما نصت الحديبية، وإنما كان يمتحنهن ليتأكد أن هجرتهن خالصة لله كما ورد في سورة الممتحنة: "يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار" (الآية رقم 10).وقد ظل صلح حديبية ساريا بين المسلمين والمشركين طيلة عام ونصف حتى نقضت قريش الصلح عندما أغاروا على قبيلة "خزاعة" المتحالفة مع المسلمين ، فخرج الرسول بجيش عدته عشرة آلاف، وفتح المسلمون مكة في العام الثامن للهجرة دون مقاومة تذكر. وبعد فتح مكة جاءت الوفود رجالا ونساء لمبايعة الرسول؛ وترصد لنا كتب السيرة نص بيعة النساء، فقد ورد أنه في اليوم الثاني من فتح مكة جاء وفد السيدة "هند بنت عتبة" التي تحدثت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، سامحا لها بأن تستفسر على كل بند من بنود البيعة "بألا يسرقن ولا يزنين" إلى آخر البنود ، بل أنها جادلت الرسول صلى الله عليه وسلم حين قالت له "أوتزني الحرة؟"، تأكيدا منها على أنها تترفع حتى عن التفكير في مثل هذا السلوك، والملاحظ أن الرسول الكريم لم يعرض عن استفساراتها أو يضيق منها ، وهو ما يدل على أن المرأة في الإسلام كيان مستقل كامل العقل، وإلا لما أعطاها الحق في معرفة التزامتها وتحمل تبعيتها. كما أن ذكر بيعة النساء نصا في القرآن الكريم، تميزا لها عن بيعة الرجال، يؤكد على أن المرأة ليست تابعا للرجل فيما تؤمن به ، والدليل على ذلك أن "أبي سفيان" زوج السيدة "هند بنت عتبة" كان حاضرا وقت البيعة، لكنها لم تكل له مهمة الاستفسار على بنود البيعة أوالتصديق عليها. مما سبق يتضح أن المرأة ساهمت في الحياة السياسية في العهد النبوي، ذلك أن البيعة لا تكتسب بعدا دينيا فقط بل سياسيا أيضا فمحمد إلى جانب كونه رسول الله كان حاكما للدولة الإسلامية. وإذا كانت بيعات النساء تكشف لنا ملمحا عن دور النساء في العهد النبوي ، فإن هناك ملامح أخرى -مثل دور المرأة في الحروب ومواقفهن تجاه الدعوة- لا يمكن إغفالها، وإن كان الحديث عنها يحتاج لمزيد من التفصيل في مقالات أخرى. شيماء زاهرنشر سابقا في الدستور الأسبوعي – صقحة الدين

No comments:

Post a Comment