كتبت: شيماء زاهر
التاريخ القبطي والإسلامي لا يتجزءان ولمصر هوية قادرة على مزج الحضارات بها!لمصر أرث حضاري امتد عبر آلاف السنين بدءا من العصر "الفرعوني" فـ"اليوناني" و"الروماني" و "القبطي"، وفي عام 641 م، جاء الفتح العربي الإسلامي لمصر بقيادة "عمرو ابن العاص" لتصبح مصر بعدها أحد أهم الولايات في الخلافة الإسلامية و إذا ما نظرنا إلى العصر الحديث سنجد أن الهوية العربية الإسلامية تشكل جانبا راسخا في الشخصية المصرية و يطرح السؤال نفسه: وماذا عن تلك الحضارات السابقة للفتح الإسلامي، هل تأثرت الشخصية المصرية بها ، أم أن تأثيرها لا يذكر إذا ما قورن بتأثير الحضارة الإسلامية؟ والحقيقة أن الإجابة على هذا السؤال تستلزم منا أن نعود إلى التاريخ المصري ونفر صفحاته سويا.فإذا ما بدأنا بالتاريخ الفرعوني، سنجد أن مصر تحولت على يد الملك "مينا" في عام 3200 قبل الميلاد إلى أولى القوميات ذات الوحدة السياسية، وقد ساعدت هذه الوحدة على استمرار الحقبة الفرعونية التي شملت ثلاثين أسرة حاكمة تم تقسيمها إلى عدة فترات: "دولة قديمة"و "دولة وسطى" و "دولة حديثة" ، وقد أسلمت هذه الفترات بعضها لبعض، ففي الدولة القديمة ظهرت مبادءى الحكومة المركزية و توصـل المصريـون إلى الكتابة الهيروغليفـيـة ، وفي الدولة الوسطى ازدهر الفن والأدب وفي الدولة الحديثة، أصبحت مصر إمبراطورية راسخة برز فيها أسماء ملوك وملكات عظام مثل "توت غنح آمون" و "حتشبسوت" و "رمسيس الثاني". إلا إنه في أواخر الحقبة الفرعونية منذ حكم الأسرة الحادى والعشرين وحتى الثلاثين تعرضت مصر لاحتلال كل من الآشوريين عام 670 قبل الميلاد ثم الفرس إلى أن انتهى حكم الفراعنة مع دخول الإسكندر الأكبر مصر. وإذا كانت اللغة لأي شعب تمثل جانبا هاما من هويتة، فلابد أن نذكر هنا أن المصريين لم يقفوا عند مرحلة الكتابة الهيروغلوفية، بل طوروا أيضا نوعين من الكتابة : "الهيراطيقية" وهي لغة الكهنة و "الديموطيقة" التي استخدمت على نطاق واسع من قبل الشعب في الأغراض اليومية. أما الحقبة اليونانية، فقد بدأت تاريخيا مع دخول الأسكندر الأكبر لمصر عام 332 قبل الميلاد، وبعد وفاة الإسكندر أسس " بطليموس" - أحد قواد الإسكندر - حكم البطالمة فى مصر الذى استمر قرابة ثلاثة قرون (حتى عام 30 ق.م)، وقد أصبحت الأسكندرية خلال حكم البطالمة مركزاً للحضارة و ذاعت شهرتها فى مجال الفن والعلم والصناعة والتجارة ، و أسس البطالمة جامعة الأسكندرية التي يرجع الفضل إلى علماءها فى التوصل إلى حقائق علمية عن دوران الأرض حول الشمس وتقدير محيط الكرة الأرضية. وقد أثرت الحقبة اليونانية في اللغة المصرية القديمة، فكما تطورت الديموطيقية عن الهيروغلوفية ، فقد دمج المصري القديم الأبجدية اليونانية مع الديموطيقية مكونا بذلك مرحلة لغوية لاحقة عُرفت بأسم اللغة القبطية. وبالمناسبة فإن كلمة "قبطي" لا تعني مسيحي -كما يظن البعض- بل مشتقة من كلمة يونانية بنطق مشابه ، وتعني "مصري"؛ إشارة إلى أهل مصر وإلى اللغة المصرية.وكما شهدت مصر نهضة علمية في العهد اليوناني، فإن الحقبة الرومانية التي بدأت عام 30 ق.م. جاءت امتدادا لهذه النهضة، فقد استمرت جامعة الإسكندرية فى عهد الرومان مركزاً للبحث العلمى وأصبحت مدينة "الإسكندرية" أكبر مركز تجارى وصناعى فى شرق البحر المتوسط وثاني مدن الإمبراطورية الرومانية ، ولعل من الأحداث الهامة في الحقبة الرومانية دخول المسيحية إلى مصر فى منتصف القرن الأول الميلادى وتأسيس أول كنيسة قبطية في مصر. إلا إنه في أواخر القرن الثالث الميلادي، تعرض المصريون للإضطهاد الشديد على يد الإمبراطور الروماني "دقلديانوس" (284-305) م واطلق على هذه الفترة "عصر الشهداء" لكثرة من استشهد فيها من الأقباط . ومن أبرز مظاهر عصر الشهداء انتشار نزعة الزهد بين المسيحيين والتى نتج عنها قيام الرهبنة التي كان للكنيسة القبطية الفضل في تأسيسها في العالم المسيحي. كذلك فقد لعب الرهبان المصريين دورا جوهريا في نشر المسيحية في باقي الإمبراطورية الرومانية، وفي عام 325 م تم إعلان المسيحية عقيدة رسمية للإمبراطورية الرومانية، إلا أن المصريين تعرضوا للاضهاد من قبل الإمبراطورية الرومانية التي حاولت أن تنزع عن الكنيسة القبطية دورها الرائد في العالم المسيحي، فقامت بعزل بابا الإسكندرية ثم نفيه وتعيين بطريرك روماني يدعى "المقوقس". و هكذا فعندما فتح العرب مصر في القرن السابع الميلادي كان "المقوقس" معينا من قبل روما أما البابا المصري فقد كان منفيا وهاربا في الأديرة الصحراوية ولم يرجع إلي منصبه إلا بعد خروج "المقوقس". ومع دخول الفتح الإسلامي، بدأت صفحة أخرى من تاريخ مصر، إلا إنه من سمات العبقرية المصرية إنها قادرة دائما على مزج الحضارات بها والإضافة عليها، فكما طور المصريون اللغة القبطية مزيجا من اليونانية والديموطيقية، جاءت العامية المصرية مزيجا من اللغة العربية الفصحى و اللغة القبطية ، فإذا ما نظرنا إلى اللغة العامية الحالية ، سنجد مئات الأمثلة على تأثير اللغة القبطية سواء من ناحية القواعد ، أو استخدام الكلمات القبطية، ككلمة "يوحا" التي نستخدمها لتحية شهر رمضان الكريم و تعني بالقبطية "القمر". وبعد أن أستعرضنا سريعا صفحات التاريخ المصري، يمكن القول أن التاريخ لا يمكن أن ينفصل، فالشخصية المصرية هي نتاج تراكمي لكل ما مربها من أحقاب ، فمصر الإسلامية قد امتزجت مع مصر القبطية التي امتزجت بدورها مع مصر الأغريقية والفرعونية، وخير لنا الآن أن ننظر لتاريخ الوطن ككل متكامل بدلا من أن نظل نتكأ على حقب تاريخية بعينها وكأن كل ما سبقها أو تلاها لا علاقة له ببعضه البعض.
No comments:
Post a Comment